قراءة نقدية ( العلاقة بين الجن والأنس)
في رواية أسموديوس للكاتبة/شرين رضا
الصادرة عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع
الرواية
تنتمي لأدب الرعب والذي صار نوعية مفضلة للكثيرين، لغة الكاتبة بما تحويه من قوة وسلاسة وأسلوبها المشوق يجعل منها تختلف كثيرا عما هو سائد؛ فالمتعارف أحيانا أن أدب الرعب مجرد ضجيج وصراخ وظهور لا منطقي لكائنات غريبة، لكن هنا حرصت الكاتبة على جعل أحداثها أكثر منطقية وأكثر ترابط، ومن اللافت حقا للانتباه حرصها على هدوء الأحداث رغم ما بها من رعب وتشويق وكأنه نوع من الرعب الاجتماعي.
السرد
مشوق من بداية الرواية ليأخذنا في سلسلة من الإثارة، علاقة تجمع بين الأنس وما يحاول الجن من فرض هيمنته على هذا العالم؛ فيسعى للوصول إلى ما يريد بإزاحة كل من يثنيه عن هدفه الذي يسعى إليه؛ لينصب شباكه حول هذه الفتاة المسكينة بعد حدوث لعنة ما جعلتها في طريقهم، تربط بين الأحداث بحبكة متماسكة من بداية الرواية وحتى نهايتها.
تستهل الكاتبة روايتها بأجواء غامضة لعرس لم تحضره العروس، والتي عليها أن تتزوج من شاب لا تحبه فقط من أجل أن تنكشف أمامها الأسرار؛ لتجده كابوسا يتكرر منذ قرارها الارتباط بهذا الشاب؛ لتلج بنا المكان اللعين الذي تعمل به وتدور بداخله الأحداث، في سلسلة مشوقة من الغموض لنتساءل طيلة الوقت لماذا يحدث معها هذا وماذا يريدون منها؟ وهل ستنجح في المواجهة؟
الأم والتي تخفي بداخلها الكثير من تلك الأسرار تعجز عن الكلام؛ ليبدو الأمر أكثر مشقة والألغاز أكثر تعقيدا، ونجد أنفسنا في حيرة طيلة الوقت وغموض لا يمكننا التنبؤ بما سيحدث وما سيلي ذلك من أحداث، تظهر أمامها أشكال مرعبة وكأنها تدفعها دفعا في اتجاه معين، في مكان العمل وفي البيت فلا تدعها للراحة، فمنذ اختفاء أخيها وكل شيء تغير، ما سر اللعنة وراء كل ما يحدث لها، وهل سيظهر أخوها ثانية؟
ينغمس معها صديق أخيها رغما عنه في تلك الأجواء الغريبة، لتحدث معه الكثير من المفاجآت غير المتوقعة والتي تكاد أن تنهي حياته، رغم المحاولات بمنعه عن استكمال الزواج منها، لكن هناك دائما ما يدفعه لعدم التراجع، رغم ما لاحظه وعجز عن تفسيره من تمسكها بالبقاء في الصيدلية التي تملكها، والغموض الذي يحيط بالمنطقة بالكامل وما بها من أشخاص في منتهى الغرابة، وما يظهر أمامهم ويدفعهم للسير نحو اتجاه واحد مجهول النتيجة.
تزداد الأحداث تعقيدا
بحادث قتل الممرضة التي ترعى والدتها، وما يشوب ذلك من غموض، ولا تتعرف البطلة على الجثة بل تنكر تماما أنها جثة الممرضة، يظهر المحقق في الصورة يحاول الكشف عن ماهية الأحداث ليصل لحل الجريمة؛ ليجد نفسه يتعلق بها ويندفع معها حتى النهاية.
تنتقل الأم للعلاج في أحد المراكز الطبية، لكن تستمر تلك الأرواح الشريرة في مطاردتها، حتى تثير الرعب في الممرضة التي تعالجها هناك، وينتقل مجددا إلى المركز الطبي بالكامل، بين حين وآخر يأتيها صوت أخيها وتتمثل لها صورته، ولكنها في الوقت ذاته تعجز عن إعادته ثانية إلى الحياة وكأنها تدور في حلقة مفرغة، ليصل إليها الشيخ الوحيد القادر على كشف السر ومساعدتها، يقرأ آيات من القرآن الكريم، ويقوم بطقوس من نوع خاص حتى يتم حضورهم إلى المكان.
نصطدم في النهاية بحدوث ما لا يمكننا توقعه؛ فينكشف الستار حول ماهية ما يحدث وما وراءه من أغراض شيطانية دنيئة، وتتحرر في النهاية الروح التي كانت تبحث عنها بعد طعن الجسد بيديها، ونصل أخيرا بعد أن لهثت أنفاسنا في هذه السلسلة من الأحداث المشوقة إلى كشف اللغز ويحل اللغز الذي عجزنا عن توقعات حله، وتنكشف أمامنا خيوط المؤامرة التي تمت بين عالم الأنس وعالم الجن.
مزجت الكاتبة بين الواقع الذي يمكن تصديقه والخيال الذي لا يمكننا أن نصدقه، اعتمدت على اللغة المعبرة والوصف والابتعاد عن التهميش والسذاجة في تناول الموضوع؛ لتبدو الرواية مزيجا من الرعب مع طرق الحياة الاجتماعية وما يتخللها من معتقدات وعلاقات.
0 مراجعة